أسامة داود يكشف: بدلًا من التكريم.. وزارة الكهرباء تُكافئ الباحثين بالخصم والنقل والتعسف

أسامة داود يكشف: بدلًا من التكريم.. وزارة الكهرباء تُكافئ الباحثين بالخصم والنقل والتعسف

من داخل شركة الإسكندرية لتوزيع الكهرباء، حيث تُرفع الشعارات عن دعم البحث العلمي وتحفيز الكفاءات، تتكشف قصة مؤلمة تُجسد كيف يمكن أن يتحول شعار «دعم العلماء» إلى واقع من التنكيل الإداري والجزاءات المتكررة، ضد واحدة من أبرز الباحثات في مجال الكهرباء والطاقة. 

تعمل الدكتورة آماني إبراهيم عطية مديراً لإدارة الجودة شرق، بالإدارة العامة للبحوث والجودة التابعة لقطاع البحوث والجودة وترشيد الطاقة بشركة الإسكندرية لتوزيع الكهرباء.

وتضم إدارتها ست إدارات فرعية هي: أبو قير، سيدي بشر، المندرة، الفضالي، الرأس السوداء، سابا باشا وبكوس.

تقول الدكتورة آماني إنها فوجئت بقيام رئيس الشركة بنقل ثلاثة مهندسين وفني واحد بدعوى «مقتضيات العمل»، دون أن تتم الاستعاضة عنهم، مما أخل بسير العمل وأضعف أداء الإدارة.

اابداية كانت في ديسمبر 2024، أرسلت مذكرة رسمية شرحت فيها المهام المكلفة بها الإدارة، وعلى رأسها المرور على حجرات المحولات وتحديد النقاط الساخنة باستخدام الكاميرا الحرارية كإجراء من إجراءات الصيانة الوقائية، وكذلك الكشف عن النقاط الساخنة بالخطوط الهوائية بالكاميرا المخصصة لذلك.

لكن المذكرة كانت بداية أزمة لا تنتهي، إذ فوجئت بإحالتها إلى الشؤون القانونية في 19 ديسمبر 2024 بتهمة أنها عملت كمُحاضِرة في جامعة خاصة عامي 2021 و2022، رغم أن رئيس الشركة الحالى لم يكن وقتها يشغل هذا المنصب، بل كان رئيسًا لقطاعات التشغيل والتحكم.

وتضيف أن التحقيق جرى بأثر رجعي عن سنوات مضت، وأنها طلبت تحويل التحقيق إلى النيابة الإدارية باعتبارها جهة محايدة، لكن الطلب تم تجاهله، ليصدر في 10 فبراير 2025 قرار بخصم يوم من راتبها، دون وجود أي دليل يثبت صحة الاتهام، رغم تقديمها تظلمًا رسميًا تم رفضه دون مبرر.

من بحث عالمي إلى جزاء جديد

تواصل الدكتورة أماني سرد الوقائع قائلة: في 23 سبتمبر 2025، نشر الحساب الرسمي لشركة الإسكندرية لتوزيع الكهرباء على «فيسبوك» منشورًا عن تكريم إحدى المهندسات ومنحها درع الشركة، مع تعليق من رئيسها بأنه يدعم البحث العلمي.

فقمت بالتعليق متسائلة: كيف تدعمون البحث العلمي وقد رفضتم سفري للمشاركة في مؤتمر علمي عالمي؟

فالقصة – كما ترويها – أن وزارة الكهرباء كانت قد كلفتها بإعداد بحث حول معالجة الفقد الفني في شبكات التوزيع، وقد طبّقت التجربة فعليًا على موزع الإبراهيمية بشركة الإسكندرية.

ونال البحث قبولًا دوليًا وتم نشره من الجهة المنظمة لمؤتمر CIRED العالمي، الذي يُعقد في جنيف – سويسرا في يونيو 2025، كما وصلها خطاب رسمي لدعوتها لعرض البحث ضمن فعاليات المؤتمر.

لكن المفاجأة أن رئيس الشركة رفض سفرها على نفقة الشركة كما هو متبع في مثل هذه الحالات، وأصر أن تسافر على نفقتها الخاصة، رغم أن وزارة الكهرباء تدعم الباحثين المشاركين في مؤتمرات عالمية مماثلة.

تقول الدكتورة أماني: لم أتحمل الظلم، فكتبت تعليقي على منشور الشركة بكل احترام، دون إساءة لأحد، لأوضح تناقض الأقوال مع الأفعال.

غير أن التعليق كان كافيًا لإحالتها مرة ثانية إلى الشؤون القانونية في 27 سبتمبر 2025، بتهمة «التعليق غير اللائق»، فطلبت مجددًا تحويل التحقيق إلى النيابة الإدارية، مؤكدة أن ما تتعرض له يمثل تنمرًا إداريًا واضحًا.

لكنها فوجئت بإصدار جزاء جديد في اليوم نفسه بخفض علاوة، وهو أقصى جزاء إداري يمكن توقيعه على موظف.

 

نقل تعسفي ومحاولات للإقصاء

لم تتوقف الإجراءات عند هذا الحد، فبعد يوم واحد فقط، في 30 سبتمبر 2025، صدر قرار بنقلها من وظيفتها مدير إدارة الجودة شرق – التي شغلتها طيلة 13 عامًا – إلى وظيفة مهندس أول بإدارة شبكات أبيس، في قطاع لم تعمل به منذ التحاقها بالشركة عام 1999.

تقول : قضيت 23 عامًا في قطاع البحوث والجودة وترشيد الطاقة، قدمت خلالها أكثر من 60 بحثًا نُشر في مؤتمرات وموسوعات عالمية، وحصلت على شهادات تقدير من جهات دولية. لكن يبدو أن هذا التاريخ لم يشفع لي أمام حملة الإقصاء.

الأدهى – كما تضيف – أن رئيس الشركة سارع بإعلان وظيفة مدير عام البحوث والجودة قبل أن تخلو رسميًا في 26 أبريل 2026، أي قبل 6 أشهر كاملة، رغم أنه لم يطرح أي وظيفة قيادية مماثلة طوال الشهور السابقة، وكان يكتفي بإسناد المناصب بالإشراف للمقربين دون إعلان رسمي أو اختبار من لجان الشركة القابضة.

وتتابع : لم يكتف رئيس الشركة المهندس إيهاب الفقي بما سبق، بل أصدر قرارًا بإسناد إدارة الجودة شرق – التي كنت أشرف عليها – إلى مهندسة أخرى، ثم أحالني للمرة الرابعة إلى الشؤون القانونية، وحدد موعد التحقيق الجديد يوم السبت 11 أكتوبر 2025، دون أن يذكر سببًا واضحًا، وكأن المطلوب من الباحثين ومن لهم علاقة بالبحث العلمي ألا يتحدثوا أو يكتبوا أو يستخدموا مواقع التواصل الاجتماعي.

 

أسئلة تفرضها الوقائع

هل يُعقل أن تُترك المناصب القيادية في شركة الكهرباء تُسند بالمحاباة دون إعلان أو رقابة من الشركة القابضة؟

وهل يُعقل أن يُحال باحث متخصص، مثل الدكتورة أماني – الحاصلة على دكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة الإسكندرية عام 2011 – للتحقيق أربع مرات خلال عام واحد لمجرد أنها باحثة وتدافع عن البحث العلمي؟

وأين دور وزارة الكهرباء والجهات الرقابية من هذا التعسف الإداري الذي يهدر الكفاءات ويضعف المؤسسة؟

ثم السؤال الأهم:

كيف نطالب بخفض فاقد الكهرباء وتحسين الأداء، بينما نحارب من يملك الحلول العلمية لذلك الفقد؟

في الختام، تقول الدكتورة أماني بمرارة الباحث الذي خدم وطنه:

هل المطلوب أن نهاجر ونترك بلدنا لمن لا يقدّر قيمة العلم والعلماء؟

أما أنا فأقول أن العقول المبدعة أصبحت عبئًا على مؤسسات لا ترى في النجاح إلا تهديدًا لمواقعها؟

ويبقى السؤال مفتوحًا أمام وزير الكهرباء ورئيس الشركة القابضة:

هل ينص قانون وزارة الكهرباء على أن  يُكافأ العلماء بالجزاءات والنقل والتنكيل... أم بالدعم والتقدير؟

أم أن شركة كهرباء الإسكندرية أعلنت استقلالها عن وزارة الكهرباء وتعمل وفق قانون رئيسها؟

وللحديث بقية

usamadwd@yahoo.com